كرم الديب بالخارج(السعودية)
نرحب بالسادة الزائرين اهلاا بكم فى منتدى كرم الديب بالخارج

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

كرم الديب بالخارج(السعودية)
نرحب بالسادة الزائرين اهلاا بكم فى منتدى كرم الديب بالخارج
كرم الديب بالخارج(السعودية)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» قصص النبي صلى الله علية وسلم
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الأحد 16 ديسمبر - 4:49 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» جمعية ابناء كرم الديب الخيرية
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الأحد 16 ديسمبر - 4:06 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» بر الوالدين
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الثلاثاء 27 نوفمبر - 22:48 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» اول قاضى فى الاسلام
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الثلاثاء 27 نوفمبر - 6:10 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» كرم الديب
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الثلاثاء 27 نوفمبر - 6:07 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» الاهلى والمقاولون العرب
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الثلاثاء 27 نوفمبر - 6:05 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» عن الصحابة الجليل الذى حج سرا
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الأربعاء 7 أكتوبر - 7:48 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» تم حفل زفاف على عبد الفتاح
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الخميس 14 نوفمبر - 10:33 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

» الضلم فى الاسلام وانواعه
ثقافة الحاج وطريق Icon_minitime1الخميس 5 سبتمبر - 15:16 من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط كرم الديب بالخارج(السعودية) على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط كرم الديب بالخارج(السعودية) على موقع حفض الصفحات

منتدى كرسى الاعتراف
كرسى الاعتراف

ثقافة الحاج وطريق

اذهب الى الأسفل

ثقافة الحاج وطريق Empty ثقافة الحاج وطريق

مُساهمة من طرف عاطف عبد اللطيف ابو سعد الخميس 11 نوفمبر - 11:21

طريق الحج البعد الثقافي والحضاري (*)

عندما كان بعض الحجاج من الكتاب يدونون مذكراتهم عن المحطات التي كانوا يستريحون فيها، وهم في طريقهم إلى أداء المناسك، لم يكونوا يفكرون في أنهم يقومون بالتأريخ لمواقع ستمسي في يوم من الأيام محل اهتمام من الذين يعنون بِِتَقَفِّي تلك المحطات التي أصبحت تنعت عند المهتمين بتاريخ الديانات بأنها طرق الإيمان على نحو حديث المؤرخين اليوم عن طرق الحرير.
هذه المواقع التي كان يمر بها الحجاج أصبحت، بفضل هذا العبور طوال موسم الحج ذهابا وإيابا، مراكز ثقافيةً وحضاريةً يجتمع فيها رجل العلم والصناعة بالآخرين الذين تجدهم مصادفة هناك.
إن المرء ليقف مشدوهاً أمام الهدف القريب والبعيد من هذا المنسك الذي نسميه (الحج) والذي يعتبر الركن الخامس من أركان الإسلام. ولقد أدرك الدارسون في مشارق الأرض ومغاربها مغزى أن المسلمين معروفون منذ ظهر الإسلام وفرض الحج بأنهم متفوقون على غيرهم في التنقلات والرحلات الظاهرة التي تؤكدها مجرد إلقاء نظرة فاحصة على عدد الرحلات التي خلفها أولئك الحجاج شرقاً وغرباً.
وأكيد أن أسباب هذا الاهتمام ترجع أولا وبالذات إلى أن الإسلام يجعل من الحج ركنا بارزاً من أركانه، فالمسلم، وهو يفكر في الثوابث التي تجعل منه مسلماً كاملاً، تنتصب أمام مخيلته الكعبة المشرفة سواء أكان في أقصى شرقها أو في أقصى غربها، يرحل إليها بذاكرته على الأقل خمس مرات في اليوم، ويتجه إليها في صلاته وفي توسلاته.
وهكذا يكون العامل الأول هو تحقيق الأمل في أداء ركن من أركان الإسلام، وزيارة تلك البقاع التي نشعر بأننا مشدودون إليها باعتبارها بقاعا كانت مهبط الوحي، وباعتبارها كذلك مواطئ أقدام نبي الإسلامص وقادة الإسلام عندما كانوا يشيدون دار الإسلام في الأيام الأولى.
لقد أمست الامبراطورية الإسلامية الكبرى تمتد إلى المحيط الأطلسي غرباً كما تمتد إلى حدود الصين شرقاً، ومن آسيا الوسطى وجبال القوقاز إلى جنوبي الصحراء الكبرى. ومن هنا ينبغي أن تتصور تنوع المواقع الجغرافية التي يمر منها الحاج ليصل إلى القطب، إلى المحور الذي يتجه إليه المسلمون من كل جهة، إلى الجزيرة العربية.
لنضع أمامنا خريطةً للعالم الإسلامي برمته، تتوسطه الكعبة المشرفة، لندرك المعنى الكامل والشامل للآية الكريمة التي تتحدث عن المطايا { يأتين من كل فج عميق }(1)، لنجعل أمامنا هذه الخريطة لنقرب الصورة قليلا ولنتتبع خطوط سير الذين يأتون إلى مكة من أقصى المشرق، والذين يأتون إليها من أقصى المغرب، والذين ينزلون إليها من أقصى الشمال أو يصعدون إليها من أقصى الجنوب.
ومن حسن حظنا أننا نتوفر على طائفة هامة من الرحلات التي يقف أصحابها بين الحين والآخر عند المحطات التي ينزلون بها من أجل أخذ نَفَسِهِم لاستيناف الطريق.
ولم يكن وقوف هؤلاء عند هذه المحطات من الجهات الأربع، فقط من أجل الراحة والاستجمام، ولكنه وقوف يقترن بالاتصال المباشر بمن يوجد ـ من رجال ـ على تلك الأرضين والاستماع إليهم والتأثر بهم، والتأثير عليهم كذلك، فكراً ومذهباً وأعرافاً وعادات، وربما لإقامة علاقات تجارية وإنسانية، وربما أيضاً لعقد مصاهرات وبناء أسر .
ولكثر ما عرفت تلك المراكز والمواقع، وجدنا أن الحجاج دأبوا على سلوكها لا يبتغون غيرها، وجدنا أن الذين يستقبلون أولئك الحجاج اعتادوا على أن يوفروا للذين يقصدونهم ضروب التكريم، فالذين يأتون من بلاد فارس مثلا سجلوا لنا مراحل تنقلاتهم، والذين قصدوا الجزيرة من بلاد الأندلس والمغرب كذلك تركوا لنا الحديث عن حصيلة جغرافية هامة، وعلى نحو هذا نقول عن الذين وصلوا مكة من الشمال، بغداد مثلا، أو أتوها من الجنوب صنعاء مثلا.
وهذا التراث الجغرافي لم يكن فقط نثراً ولكنه تجاوز ذلك إلى الشعر، لا يختلف في ذلك مغربي عن مشرقي ومن ثمت توفرنا على مدونات تحمل أسماء تلك المواقع وتحديدها، بل وعدد الأميال والفراسخ التي تَفْصِلُ محطة عن أخرى، وكذا عدد المناهل والآبار التي يقف عندها الحجاج للتزود بالماء.
بين أيدينا أخبار بعض الحجاج المغاربة من أمثال أبي عبد الله محمد بن الحاج التلمساني التازي الذي برز في قصيدته الطويلة التي تعتبر غُرّةً في الأدب النبوي والتي تضبط محطات الحاج ودورها في أداء هذا المنسك(2)، كما أننا نتوفر على أسماء لعدد من الحجاج المشارقة من أهل اليمن مثلاً ممن دونوا أسماء محطات الحاج شعرًا من صنعاء وعبر الحُدَيْدَة، إلى جدة إلى مكة من أمثال محسن بن عبد الكريم(3) .
وأبادر إلى التنويه بهذه العناية من أسلافنا الذين قاموا بتدوين أسماء الأماكن التي مروا بها للوصول إلى مواقيت مكة، لم يكن تَدْوينها فقط لدواعٍ مسْلَكية مؤقتة، ولكن ليُعَرِّفوا بأمكنة كانت بالأمس تتوفر على مراكز علمية تجْتَازها مثلاً القافلة المصرية التي كان عليها أن تقضي قرابة الشهر وهي في طريقها إلى مكة مارة بتلك المحطات التي كانت المؤسسات الإسلامية والشخصيات الموسرة توفر فيها المآوى والمطعم والمشرب، علاوةً على تطوع السكان بخدمة الواردين والواردات إلى أن يصلوا إلى ميقات إحرامهم وهو الجحفة أو رابغ.
ونعني بالقافلة المصرية كلَّ الحجاج الذين يتجمعون بمصر من البلاد النائية سواء أكانت هذه البلاد شرقية أو غربية.
وعلى نحو القوافل المصرية قرأنا عن القافلة الشامية وهي في طريقها التجاري المعهود إلى مكة حيث تقضي بدورها نحو الثلاثين يوماً قبل أن تبلغ هدفها. وبطبيعة الحال فإن القافلة الشامية لا تعنى فقط أهل الشام، ولكنها تعني أيضا ما يتجمع بالشام من بلاد الترك وما جاورها ... هذا إلى القافلة العراقية التي يكون عليها أن تخترق الجزيرة الفراتية بما تعرفه من مسالك تتهادى الحجاج بما تحتوي عليه تلك المسالك من زوايا إلى أن يصلوا إلى ميقات أهل العراق الذي هو (ذات عرق) الذي يبعد عن مكة بنحو تسعين كيلو متراً.
ثم القوافل التي ترد من الشرق الإسلامي بما يصحبها ويحاذيها ويجاورها إلى أن تصل إلى ميقاتها المحدد لها (قَرْن المنازل)، ثم القوافل التي تأتي من الجنوب إلى أن تصل ميقاتها المعروف تحت اسم يَلَمْلَم على بعد نحو من خمسين كيلو متراً من مكة، ونذكر في الأخير أن هناك ميقاتاً يخص الواردين من المدينة المنورة ويحمل اسم "ذي الحُلَيفة" الذي يبعد عن مكة بنحو أربعمائة وخمسين كيلومتراً.
وهكذا أصبحت هذه المواقع الجغرافية أو "المواقيت" كما نسميها في ثقافة الحج : الحُلَيفة، والُجْحَفة وعِرْق وقَرن، ويَلَملَم ... أصبحت نفسها مراكز تتوفر على كل ما يلزم القافلة من فنادق ومساجد وطواحن ومكيفات مما خلق منها محطاتٍ تؤدي واجبها نحو أولئك القاصدين والقاصدات.
كلّ هذه العوالم تنتهي في آخر المطاف إلى تلك المواقيت حيث تلتقي مع جماعاتها لتتبادل الآراء مع من تلتقيه بها من طلاب علم ورجال معرفة.
وحتى القوافل ذاتها بمن تحتضنها من علماء وأئمة ومفتين وقضاة وتجار وصناع، هذه القوافل ذاتها تُكَوِّن لوحدها جامعة متنقلة تتألف من كل المكونات التي تساعد على تحسين معارف الناس ومن كل الفاعلين الذين يسهمون في تثقيف المسافرين.
ولا ننسى أن للمرأة حظها في كل هذه التحركات، فهي، وقد توفرت على المحرم الذي يرعاها، تظل ملازمة للركب تستمتع بما يروج، وتستفيد مما يمر بالساحة، وكم سمعنا عن سيدات كن يسهمن في هذه الرحلات بما يدخل في دائرة نشاطهن، كان فيهن المحسنات اللاتي كن يقمن بإنشاء دور الإحسان والإسعاف ومواساة الفقير والمحتاج، وفيهن من أسهمن في شراء رباع للوقف على المنقطعين والمتبتلين على نحو ما قرأناه في مذكرات الوزير الإسحاقي المغربي الذي رافق عام 1143هـ ـ 1731م السيدة زوجة السلطان إسماعيل والدة نجله السلطان المولى عبد الله التي اعترضت على الذين كانوا يرون عدم بيع رباع مكة ( 4) ... .
كم كنت أتساءل مع نفسي عن الأهداف البعيدة لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام من التي لم نصل إلى الآن لأسرارها مما يندرج في تربية الإنسان المسلم وإعداده الإعداد الصحيح.
لقد كنت أتطلع أكثر فأكثر إلى معرفة الأبعاد الكبرى التي لهذا التشريع الرفيع الذي لا نجد له نظيراً في الديانات الأخرى بما يحتف به من ثقافات وعادات.
لقد قرأنا لبعض المؤلفين والباحثين عن أعمال شبيهة بالحج كانت معروفة في الجاهلية على نحو قبة الشراب( 5)، ولكننا بالمقارنات والمفارقات بين ما قرأنا عن تلك الأعمال في الجاهلية وبين ما شرعه الإسلام، نجد أن الفرق شاسع بين العملين، فذاك شيء وهذا شيء آخر، هذه ثقافة خاصة، هذه أعمال قائمة على أسس منصوص عليها، بعيدة عن الخرافة والأسطورة قائمة على الإيمان بالله ونبذ الشرك وعبادة الأصنام، قائمة على أداء الرسالة إلى الآخر، ليس فقط وأنت أمام أول بيت وضع للناس ولكن وأنت في طريقك إلى ذلك البيت، وفي طريق عودتك من هذا البيت، كل الطريق التي توصلك إلى ذلك البيت من خارج الجزيرة أو داخلها مزدانة بأمكنة استقبال مرتبة.
وحسبنا أن نتصفح رحلة من الرحلات لنقرأ عن هذه المنازل بما تحتضنه من رجال وما تعرفه من مكتبات ومدارس. ومن حسن حظنا ـ كما أشرت ـ أن في هذه الرحلات وفي هذه السجلات ما حرره أصحابه وهم في طريقهم من غرب مكة إليها، ومنهم من سجل مذكراته وهو في طريقه من شرقها، على نحو ما نجده كذلك بالنسبة للذين نزلوها من الشمال أو صعدوا إليها من الجنوب. كل هذه الجهات كانت مزودة بأمكنة استقبال وبمراكز تحمي الحجاج من عناصر الشعب والنهب وتضمن أمنهم وراحتهم، وتوفر لهم وسائل الوصول والعودة .
وإن ما كتبه هؤلاء الذين نتحدث عنهم اليوم، عن تلك المسالك وما كانوا يجدونه فيها من حركةٍ علميةٍ وفكرية وتطلع إلى العلم وصلةٍ الرحم، ما شاهدوه من معالم ومساجد وفنادق مما يعبر عن أنماط المجتمع الإسلامي، كل ذلك مما يزيف ما كتبه الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام، لقد كان واضحا أن بعض هؤلاء يتصيدون الفرصة ليصنعوا الكلام وليخلقوا الباطل من القول محاولةً منهم لتضليل الناس ما داموا يجدون في هذا الركن من أركان الإسلام ظاهرة جليلة القدر بعيدة المدى بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات وحمولات تنوء عنها سائر التقديرات التي لم يصل إلى سرها أولئك الذين أتعبوا أنفسهم في الحديث عن أسباب شرعية الحج وظروف تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة !،
لقد تحدث الرحالة اليمني جغمان وهو في جدة التي تعتبر من الملتقيات العظيمة والشهيرة أيام موسم الحج، تحدث وهو في مسجد الحنفية عن الآلة التي تميز الأوقات، ويذكر أنه رأى في المسجد المذكور بناءً مرتفعاً نحو ذراعين من الأرض في أعلاه حجر أبيض من بلاط مربعة فيها خيوط محكمة على دوران الشمس في الفلك، وازدياد الظل عند فيء الزوال وخط الاستواء في أوقاته، والزيادة والنقصان في أوقاتها، وفي طرفيها شمالا ويمينا مساران بينهما خيط موتور بنقالة من رصاص يكون ظله على تلك الخطوط في تلك الأوقات علامةً لدخول وقت الظهر والعصر، كل خيط مكتوب عنده ما يفيد وقت كذا وكذا، وهي، يقول الرحالة، هندسة عجيبة من الإتقان بمكان(6).
ولا يمكن أن يقتصر أمر الساعات الشمسية على جدة ولهذا فإنني على مثل اليقين أن أمثال هذه الساعة موجودة في معظم المحطات الكبرى للحاج.
إن الذين يفكرون اليوم في بعث الحديث عن طريق الحج بالأمس لم ينطلقوا من فراغ، إنهم أوفياء للماضي أوفياء للحاضر أوفياء للحقيقة المهددة بالتشويه والتمويه.
لقد عفى الخط البحري على الكثير من تلك المحطات التي حفظتها الرحلات بالأمس البعيد والقريب اختفت أسماء تلك المحطات الأرضية مع مرور الأيام، وعوضتها أسماء مراسي وبنادر أمثال المخا والجديدة والقنفذة شرقي اليمن والسعودية.
ثم ظهرت الخطوط الجوية لتأتي على ذكر البقية الباقية من أسماء تلك المراكز التي كانت مضرب المثل في الفقه الإسلامي عندما يتحدث الفقهاء عن البعد الشاسع بين خراسان والأندلس، أو بين فرغانة وغانة !!
لقد أصبح في استطاعتنا أن نصل بين هذه المواقع الجغرافية في اليوم الواحد( 7) ! ومن ثمت لم يبق هناك من يفكر في المحطات الأرضية والبحرية بالأمس، وفي ثمت أيضا أصبح علينا أن نبحث عن ذاتنا من خلال علاج مثل هذه الموضوعات اليوم.
فمن يستطيع اليوم أن يذكر المسالك والدروب التي سلكها مثلا ناصر خسرو علوي، مما نص عليه في رحلته (سفرنامه) التي تمت في القرن الخامس الهجري = الحادي عشر الميلادي ؟!
عندما خرج ناصر خسرو في اتجاه مكة من مدينة (مرو) وما أدراك ما مرو ! مرو العظمى، مرو الشاهجان( Cool، أشهر مدن خراسان، حيث عاش ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان، قبل أن يخربها عام 618 هـ /1221م جنكيزخان. في هذه المدينة وقعت المناظرة الشهيرة والطريفة التي كانت وراء تأليف (معجم البلدان) عندما جرى الحديث حول ضبط الاسم الجغرافي (حباشة) : السوق التي كان يتجر فيها النبيص لحساب السيدة خديجة، هل يضبط بضم الحاء أو بفتحها ؟ حيث حمل ياقوت على معنى المثل القائل "ما ترك الأول للآخر شيئا"(9)، من مرو الفارسية سلك ناصر ربوع إيران متنقلا عبر أذربيجان، وأرمينية، وبلاد الشام، وفلسطين، ومصر، حيث نجد هذا الحاج يعيش في هذه القواعد الإسلامية الكبرى، ويحكي عن مركزها العلمي والثقافي، ومكانتها الاجتماعية على ذلك العهد، حيث كان للكل مسجده في جميع المدن والقرى، وكان كلّ مسجد يتوفر على نفقات يشرف عليها وكيل السلطان بما في ذلك الحصر والسجاجيد التي يفرش بها الجامع، ورواتب القومة والفراشين والمؤذنين وغيرهم ممن يقوم على سير تلك المساجد، وبما في ذلك توفير الماء للحجاج في أماكن نزولهم، هذا الماء الذي نكتشف ـ من خلال الحديث عنه ـ الطرق والحيل التي كان يسلكها الأسلاف لكي يوفروا هذه المادة لكل الراغبين فيها، وبما في ذلك مادة الزيت النظيف الذي يستعمل في السراج والإنارة.
وقد حدث أنْ كتب والي الشام في بعض السنين إلى السلطان بأن الزيت قليل، ونحن نعلم أن الشام محطة بارزة من محطات الحج، واستأذن السلطان في أن يستعمل الزيت الحارّ المستخرج من بذور الفجل واللفت، فأجابه السلطان : ليس من الجائز أن تغير شيئا يتعلق ببيت الله.!!
وعلى ذكر بيت الله نعيد إلى الذاكرة أن قاضي القضاة بمصر كان يتقاضى شهريا ألقى دينار مغربي، يعني الدينار المرابطي الذي احتفظ في تلك الديار بوجوده، كما احتفظ في باسمه هكذا في الموسوعات الأجنبية (ALMARAVID) على نحو ما احتفظ بقيمته المصرفية الرفيعة.
ومن خلال الوصف المقتضب للمجتمع المصري نعرف عن المكانة العظيمة التي كانت لهذا الثغر من ثغور الإسلام الذي كان معبراً هاماً من معابر المسلمين إلى مكة المكرمة.
لقد سجل خسروعلوي عن مصر أقدم وصف لشاهد عيان في عصر المستنصر، أي بعد تأسيسها بنحو مائة سنة، وهكذا أخذنا فكرة عما يمكن أن يقوله هذا الرجل الفاضل عن القاهرة وما يوجد على جانبها وحواليها من مدارس وزوايا ومراكز ومؤسسات اجتماعية تثلج الصدر، وتُقدم صورةً صادقةً عن مدينة تعتبر القلب النابض للأسرة الإسلامية أينما كانت ووجدت في الشرق أو الغرب.
لقد أجمعت التآليف التي تناولت موضوع طريق الحاج، أجمعت على إبراز دور القاهرة في تفعيل هذا الركن من أركان الإسلام، تفعيله بما كانت تقوم به عبر التاريخ من تذليل المصاعب التي تعترض الحجاج وخاصة في الصحراء التي طالما كانت مصدر خوف للحجاج .
لقد كان مقام الحجاج بمصر، في انتظار انطلاق القوافل، كان وحده مصدراً جيداً للمعرفة والتثقيف لأن ما تتوفر عليه المدينة من أساتذة ومشايخ ومن مؤسسات حضارية ودينية وصناعية، كل ذلك يجعل الحاج على علم بعدد من حقول المعرفة.
وهكذا فكلّ طبقات الحجاج : الصناع والتجار والفلاحون والعمال ، والطلبة والمشايخ، كل واحد من هؤلاء السادة كان يجد في مصر مبتغاه وهو الأمر الذي يفسره وجود عدد من الأسر الإسلامية بمصر بمن فيهم الحضارمة والمغاربة، ولا أعلم أحداً ممن مر على مصر، لم يشعر بواجبه في أداء كلمة تقدير وشكر لمصر ومباهجها، ورجالها كذلك.
ومن هؤلاء من نقل عن أولئك الرجال وتتلمذ عليهم، ولا يمكن أن نخفي أن عدداً من العادات وعدداً من الكلمات والحكايات نقلها الحجاج معهم من مصر إلى غيرها مما يجري على ألسنة الناس إلى اليوم.
ولابد أن نذكر مرةً أخرى بأن كثيراً من أخبار مصر محفوظ في تآليف الرحالة الذين كانوا حريصين على البحث حول رجالها ومآثرها العديدة والأثيرة.
وما رواه الحجاج عن القاهرة لا ينسينا ما رووه عن (الإسكندرية) التي يوجد للمغاربة فيها حي بكامله يحمل اسم (حي المغاربة) .
لقد سحرت الإسكندرية بماضيها وحاضرها كل الحجاج الذين اتخذوا منها محطتهم الأولى نحو الجزيرة العربية، كانت الإسكندرية بالنسبة للمارين عليها بمثابة معهد يلقن الناس أسس الحضارة وكيف لا وهي أم المدارس ومرقد بطليموس الذي لا يوجد مرجع جغرافي عربي لا يستنير به، الإسكندرية التي كانت متحفاً للمارين بها، يجدون في معالمها وحتى في مقابرها ذخيرةً حيةً تزيد في حسهم ومعناهم، فيها توفَّر محمد ابن العربي على إجازته بعد أن دخل بغداد مرتين( 10) وهي التي اختارها أعيان الحجاج كمقام لهم في أواخر أيامهم، تلك منزلة من المنازل تضاف إلى مدن أخرى كانت أنوارها تتلألأ على جنبات النيل، وكانت تحتضن العدد الكبير من العلماء ورجال الفضل والنبل من أمثال القرطبي المفسر المغربي الشهير الذي يعتبر من أعلام الصَّعيد.
ولو أننا أتينا مكة من شمالها لكان علينا أن نقف على مواقع جغرافية اعتبرت من عيون الدنيا على ذلك العهد : مدينة بيت القدس الشريف التي كانت على مر العصور ملتقى للدارسين والمنقطعين يقصدونها من سائر جهات العالم بمن في أولئك المغاربة والمشارقة على السواء.
مدينة القدس التي خصص لها الحجاج ممن كانوا يكتبون، خصصوا لها أحيازاً واسعةً تناولت مختلف حقول المعرفة، التاريخ، الأدب، الحديث، الرجال، ولابد لنا أن نستعرض كُتُب الرحلات لنقف فيها على أن الحجاج في ذهابهم وإيابهم كانوا يقضون الأيام والأسابيع والشهور، إن لم يختاروا المكث بها إلى الأبد، يقضون تلك الأوقات لينهلوا من المعارف التي استأثرت بها هذه المدينة، وليستفيدوا من الإمكانيات الهائلة لتي كانت تنعم بها المدينة في ظل تسامح شامل بين المذاهب وبين النحل والملل، من هنا عبر المئات من الحجاج الذين كانوا يرون أن حجهم لا يكتمل إلا بزيارة ثالث الحرمين وأولى القبلتين، سواء أكان ورود هؤلاء من أقصى المشرق أو أقصى الشمال أو الجنوب كانوا يجدون الفرصة ليعرجوا على بيت المقدس لأنه بالنسبة للجميع محطة يصقلون فيها معارفهم ويتهيأون فيها لعطاء أفضل(11) .
والممتع في تلك الإفادات التي يتقدم بها إلينا هؤلاء الرحالة عن تلك الجهات أنَّها تتناول الحديث عن تلك المواقع في سائر فصول السنة أي في الصيف والشتاء والربيع والخريف لأن موسم أداء فريضة الحج لا يرتبط بتاريخ شمسي يجعلنا نعيش فقط مع فصل معين من فصول السنة حراً وبرداً واعتدالاً، ولكن الموسم يرتبط بالتاريخ القمري : تاسع ذي الحجة، ومعنى هذا أن الحج يتم أحياناً في الشتاء وأحياناً في الصيف وحيناً في الربيع وحيناً آخر في الخريف، وهكذا تمكنا من معرفة محطات الحجاج في سائر تلك الفصول، وأخذنا فكرة عن المناخ في مختلف أيام السنة، وهكذا أيضاً توفرنا على وصف صادق للنشاط والحركة في كل تلك المراكز عندما يمر بها الحجاح وهي تعيش حراً وقراً.
ظاهرة أخرى عن طريق الحج من خلال الرحالة، تتجلى في أنهم أي الحجاج ـ وقد كثر عددهم على مر السنين ـ كانوا يؤرخون لتلك المحطات على التتابع، كان فيهم الذي دون مذكراته في القرن الخامس وفيهم من أدى حجه في القرن السابع الخ وهكذا توفرنا على تقارير مرتبة عن تلك المحطات وعرفنا ما جرياتها عبر الأيام، مدارسها، معالمها، رجالها، أحداثها تطوراتها، وغير خاف أهمية هذه الإفادات فيما يتصل بالبعد المعرفي لهذه الظاهرة.
إن المؤرخ العادي لمنزل من تلك المنازل يمكنه أن يلم بما جرى بها إجمالاً، ولكن الحاج الكاتب كان شاهد عيان لما رآه، ومن ثمت فإن مذكراته تتمتع بمصداقية حية من شأنها أن تجسد لنا البعد الحضاري لتحركات الحجاج نحو تلك البقاع.
ولم يكن ضروريا بالنسبة لجميع الرَّحالة أن يسلكوا دائماً نفس الطريق التي سلكها من قبلهم، وهكذا تتعدد المسالك ويكون في ذلك كسب جديد لأدبيات الحج حيث نقف على فضاء آخر من المواقع الجغرافية، ونتوفر على معلومات أوسع فيما يتصل بالجغرافية الوصفية. وهكذا أيضا نرى أنه إذا كانت مواقع طريق الحرير تتجه كلها نحو الشرق : الصين مثلا، فإن اتجاه طريق الحاج يتغير، لما أن الكعبة المشرفة تقع في صرة العالم، ومن ثمت فإن قاصديها يمكن أن يكونوا من مختلف الجهات الأربع، هذا وأعتقد أن أكثر الرحلات ثراءً فيما يتصل بوفرة عدد الأسماء الجغرافية، والأعلام الشخصية هي الرحلات التي انطلق أصحابها من بلاد المغرب التي تتميز بأن أصحابها يتعلقون شديد التعلق بالبقاع المقدسة، ونحن نعلم أن الحب يزداد حرارةً بمقدار بعد المحب عن دار المحبوب!
تتوفر المكتبة المغربية على أزيد من خمسين رحلةً بين مخطوط ومطبوع، وهكذا فابتداءً من ابن جبير (578هـ / 1182م) مروراً بابن رشيد (684هـ ـ 1286م) والعبدري (689هـ /1290م) وابن بطوطة (725هـ ـ/1325م) والتجيبي (730هـ/1329م) والبلوي (737هـ /1337م)، إلى التوازني الميضاري (1347 هـ/1929م) والسوسي (1380هـ/1961م)، يتضح أنه أصبح في الاستطاعة أن نقف من خلال هذه المدونات على مختلف مظاهر الحضارة الإسلامية التي كانت تتمثل في كتابات هؤلاء الرحالة وفي انطباعاتهم وما تركوه من آثار عن مختلف المسالك والممالك التي زاروها.
ولنتتبع من جهة أخرى لوائح الرحلات المشرقية التي تحرص على تقديم أسماء المحطات التي سلكها الحاج للوصول إلى ظاهرة مكة، تتبعوا جرد هاته الرحلات فستجدونها محدودة، وستجدون أن الرحلات المغربية أوفر وأكثر، وبين أيدينا الرحالة اليمنيون : شرقاً وغرباً، سنكتشف أن المغاربة يتفوقون على إخوانهم في جنوب الجزيرة(12).
عاطف عبد اللطيف ابو سعد
عاطف عبد اللطيف ابو سعد
Admin

عدد المساهمات : 387
نقاط : 1196
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 54

https://karmaldeeb.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى