الحذيفة بن اليمان (رضى الله عنه)

لقد اتاه الله سبحانه وتعالى فراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله سبحانه وتعالى ولقد اتاه الله موهبة قراءة الوجوه ومعرفة دخائل النفوس
انه الصحابي الجليل الحذيفة بن اليمان رضي الله عنه هذا الذي كان يعرف بصاحب سر الرسول في المنافقين
أسلم مع بداية الدعوة مع ابيه واخيه صفوان
وكم كان حذيفة يسخر من عبادة الاوثان وكانت نفسه تتطلع نحو اله وعبادة ارقى
ثم بعد اسلامه تأدب وترعرع على يد الرسول صلى الله عليه وسلم
ووسط الرعيل الاول من الصحابة الكرام نمت وترعرعت موهبةحذيفة وازدهرت ,حيث عكف على معرفة الشر ونفاق في ماتيها
حتى أن عمر بن الخطاب وهو الرجل الملهم والعاقل والفطن كان يلجأ الى رأي حذيفة في اختيار الرجال ومعرفتهم
وكان يقول "يا حذيفة أنت صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم في المنافقين,فهل ترى علي شيئا من اثار النفاق"
وهذا الامر لم يتأتى حذيفة من عبث وانما عن جهد ومثابرة ومتابعة الرسول الاعظم وها هو يقول من نفسه"كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت اساله عن الشر مخافة أن يدركني"
قلت:يارسول الله انا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذاالخير بعد هذا الخير من شر؟
قال نعم
قلت فهل بعد هذا الشر من خير
قال نعم وفيه دخل
قلت وما دخله
قال قوم يستنون بغير سنتي ,ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر
قلت وهل بعد ذلك من شر
قال نعم, دعاة على أبواب جهنم ,من أجابهم فيها قذفوه فيها
قلت يا رسول الله فما تأمرني ان أدركني ذلك
قال تلزم جماعة المسلمين وامامهم
قلت فان لم يكن لهم جماعة ولا امام؟
قال تعتزل تلك الفرق كلها,ولو ان تعض على أصل شجرةحتى يدركك الموت وأنت على ذلك
لقد كان حذيفة يحرص على أ، تكون بصيرتة متفتحة على عوامل الفتن ودواعي الشر واسباب النفاق من اجل ان يجنب نفسه عنها ومن اجل ان يحذر الناس منها
وتحدث حذيفة عن قلوب الناس وميز بينها فقال "القلوب أربع....قلبا غلف, فذلك قلب الكافر..وقلب مصفح,فذلك قلب المنافق..وقلب اجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن...وفلب فيه ايمان ونفاق فمثل الإيمان كمثل الشجر يمدها ماء طيب ..ومثل النفاق كمثل الفرحة يمدها قيح ودم فأيهما غلب"
ان موهبة حذيفة في معرفة أسرار النفاق أكسبه حدة في الكلام وشجاعة
فهاهو يعلن عن ذلك ويقول "جئت النبي فقلت يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على اهلي وأخشى ان يدخلني الناار
فقال لي فاين انت من الاستغفار ؟اني استغفر الله في اليوم مائة مرة"
لقد شهد حذيفة مصرع ابيه في أحد على يد مسلمة حسبته مشركا,وعندما نظر حذيفة الى ابيه اخذ يصيح ابي ابي ...انه ابي
ولكن ما ينفع الصياح مع القضاء المحتوم
ولهذا وقف المسلمون في حزن وهم ينظرون الى حذيفة وابيه المقتول.فماذا قال حذيفة؟
نظر حذيفة الى ضاربي ابيه الذين كانوا لا يعرفونه بانه ابو حذيفة...وقال لهم بلسان المؤمن الصابر المحتسب"يغفر الله لكم....وهو ارحم الراحمين"
ثم انطلق حذيفة نحو المعركة يؤدي واجبه غير مكترث بالعاطفة الغلابة,,,,وليس اقسى على الانسان من ان يرى ابوه مقتول
وعند انتهاء المعركة املر الرسول الصحابية "حسيل بنت جابر" أن تؤدي الدية لاهل حذيفة
ولكن حذيفة يرفض الدية ويتصدق بها على فقراء المسلمين
وفي غزوة الخندق يزداد اعجاب الرسول بحذيفة
فعندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان، وكان الطقس بارداً والقوم يعانون من الخوف والجوع، وقال له: ( يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا !) فذهب ودخل في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء، فقام أبوسفيان فقال: ( يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه ؟) قال حذيفة: ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان ) فأمن نفسه في المعسكر، ثم قال أبو سفيان: ( يا معشر قريش، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنوقريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل) ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة: ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلىّ الا تحدث شيئاً حتى تأتيني، لقتلته بسهم ) وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملاً له البشرى.. في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفاً، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول: ( اذا اجتمع المسلمون، فليكن كل أمير على جيشه، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن )، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله ) وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة..
والتقى الجيشان ونشب قتال قوي، وسقط القائد النعمان شهيداً، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عالياً وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريماً له، ثم هجم على الفرس صائحاً: ( الله أكبر: صدق وعده، الله أكبر: نصر جنده ) ثم نادى المسلمين قائلاً: ( يا أتباع محمد، ها هي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم، فلا تطيلوا عليها الانتظار ) وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس
وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين، وتزوّج فيها
فمن يصدق ان اعابد الزاهد يقود جيشا صغيرا ينتصر فيه على جيش جرار
وفوق هذا كان ذو ذكاء حاد
فيوم اصيب المسلمون بأذى في المدائن اختاره عمر لكي يختار ارضا مناسبة ينتقل اليها السلمون فاختار حذيفة ارض الكوفة الصحراويةالجرداء لانه اشتم فيها رائحة العافيةواسلامة
لقد كان حذيفة عبقريا يوم وافته المنية
فما يروي
انه ذات يوم أصيب بمرض الزمه الفراش عام36ه فدخل عليه بعض اصحابه
فقال لهم أجئتم معكم بالاكفان
قالوا نعمقال: ( أرونيها ) فوجدها جديدة فارهة، فابتسم وقال لهم: ( ما هذا لي بكفن، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في القبر الا قليلاً، حتى أبدل خيراً منهما، أو شراً منهما ) ثم تمتم بكلمات: ( مرحباً بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم ) وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائنش، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة..